#الجيش_الأسود
انتشر الفايروس بشكل كبير في الفترة الأخيرة ، و ظهرت إشاعات تفيد أن هناك موجة أخرى قادمة . طلبنا من الناس إبداء الموضوع اهتماماً أكثر ، ولكن دون جدوى ، لم ترتدي الناس الكمامات ولم تلتزم بأخذ الإجراءات اللازمة للسلامة ، ولكن الموضوع تضخم ولم يعد بسيطاً كالسابق ، فالفايروس يتطور ويصبح أقوى ، الموضوع خرج عن السيطرة ، وأصبح علاجه شبه مستحيل ، كيفما تدير وجهك ترى جثث مرمية ، أمام المستشفيات ، في الشوارع ....
كل ما يحدث بسبب ذلك الفايروس اللعين ، يكاد أن ينهي العالم .
خسرت كل شيء في آن واحد ، بقيت وحيداً في هذه الدنيا ، لم يتبقى سوى ثلاثة أشخاص ...
مريم .. الإنسانة التي تجعلني متمسك بالحياة حتى آخر لحظة ، كنت سأتقدم لخطبتها لو لم نصل إلى هذه المرحلة ، ولحسن الحظ أن والدتها ما زالت على قيد الحياة ، أما الشخصين الأخرين هما ، " مراد" و " كارم " ، من أعز وأفضل أصدقائي .
لكن ... لكن الوضع يسوء يوماً عن يوم ، الجثث تزداد وهي متوزعة في كل مكان ، الملايين من البشر يموتون في كل يوم وعدد قليل من المصابين ، لأن الإصابة بالفايروس في وقتنا هذا تعني الموت الحتمي ، يبقى الفايروس متمسكاً بكل شيء حي وصلب ، أي الخروج من المنزل يعني النهاية ، إلا أصحاب المناعة الشديدة جداً ، وهم الأقلية في وقتنا هذا .
كان الحل الوحيد هو عمل حظر كلي ، إلى ما يتم اكتشاف مصل يقضي على الوباء ، كان يجب على كل دولة أن تحافظ على العدد المتبقي من البشر الذين يعيشون على أرضهم ، لذلك كان على كل دولة أن تنشأ " الجيش الأسود " الخاص بها ، أردنا أنا ومراد الانضمام إلى الجيش ، ذهبنا إلى المركز لنقدم فيه ، لماذا ؟؟؟ لأني لا أريد أن ينتهي العالم الآن ولا بهذه الطريقة المؤلمة ، رفض كارم الفكرة
تماماً ، ومن تلك اللحظة تركنا وذهب .. ولم نعد نراه كثيراً ..
لم يكن القبول في " الجيش الأسود" سهلاً ، كان هناك اختبارات صعبة جداً لدرجة لا توصف ، وهي من أسس الاختيار ، كان حجم المعاناة كبير ، وذلك لأن حياتنا أصبحت قاسية جداً ، لدرجة قد يصعب وصفها ..
هل تعلم ما هي مهمة الجيش الأسود ؟
مهمتها .. القتل !!
لا يصدق الإنسان عادة ما يسمعه حتى يراه بأم عينه ، حتى لو كانت الدلائل واضحة أمامه ، لكن يجب أن يكون هناك سبب ملموس ليصدق . يؤمنون بمقولة " يحدث للآخرين فقط"، لا يصدق أن بمجرد خروجه من المنزل سيتحول إلى جثة هامدة نتيجة الفايروس الغير مرئي ، لذلك كان يجب تخويفهم وإبقائهم في منازلهم تحت التهديد ..
عندما يفتح نافذة منزله ويرى هذا العدد الهائل من أصحاب البدلة السوداء منتشرين على أسطحة المنازل ، وهم ممسكين بالأسلحة متأهبين لخروج أي شخص ، في تلك اللحظة فقط سيتأكدون أن حليفهم الموت بمجرد خروجهم .
تغطي البدلة السوداء كامل الجسد ، فهو واقي مثالي فعلاً ، كما إنه يعقم الجسم بطريقة منتظمة و متتالية عن طريق مطهر بتقنية النانو.
وطبعاً هذا هو الزي الرسمي الذي يجب ارتداؤه دائماً ، فنحن في الخارج طوال الوقت ، محاولة لحماية الإنسان من نفسه ، طبعاً كان هناك قوانين يجب اتباعها ، وهي أنه بمجرد خروج الشخص من منزله يعتبر مضيف ويجب قتله فوراً بغض النظر عن هويته ، وممنوع أن نغادر مكان الخدمة لأي سبب كان ،وممنوع الاقتراب من المضيف أكثر من 10 متر ، ويجب علينا تنفيذ أوامر القائد تحت أي ظرف ، وتعتبر حياة الجندي غالية الثمن ، وغيرها الكثير من القوانين ...
كم شخص قتلت ؟؟؟ لا أذكر !!
لكنه بعدد ليس قليل ، يؤلمني الموضوع كثيراً عندما تذهب بي الذاكرة إلى الأشخاص الذين قتلوا ، فهو يحتاج إلى قلب من حجر ، أذكر حادثة في إحدى المرات ... كان رجل مسن ، خرج من منزله وكأنه غير مبالي بحياته ، فقد فقد كل شيء يملكه ، بدأ يمشي بخطوات بطيئة و ينظر إلى الأرض دون أن يلتفت إلى ما حوله ، فجأة رفع رأسه ، انقبض قلبي في لحظة التقاء عيني بعينه ، كان يملأ عيناه الدموع حتى بدأت قطرات منها تسقط على الأرض ، كانت دموع خيبة وانكسار ، وكأنه يخبرني اقتلني أرجوك ... بدأت يداي ترتجفان ، فجأة أصبح الزناد ثقيلاً ، كان قتله صعباً ، لكن ... قد فعلتها ...
بعد قرار تكوين " الجيش الأسود" ظهر معارضين كثر رافضين الفكرة ، والذين بدؤوا يكونون جماعات هدفها القضاء على فكرة " الجيش الأسود"، والقضاء على أفراده، وأطلقوا على أنفسهم لقب " الناجيين" والذين كانوا يدعون إنه لا يحق لأي أحد أن يقرر مصير الآخرين، وطبعاً تعمدوا أن يأخذوا بدلة عكس بدلتنا تماماً ، والتي كانت تتميز باللون الأبيض، حصلت الكثير من المناوشات بيننا وبينهم ،كما قتلنا العديد منهم ، وطبعاً فقدنا عدد ليس قليل من جيشنا أيضاً .
لكن " مراد" كان دائماً يهون علي ، كان يستمر في قول أن مجرد ما تنتهي هذه الكارثة ، ستذكرنا البشرية كلها ، نحن " الجيش الأسود" الذي أستطاع أن يحافظ على بقاء الإنسان .
" مريم " كانت رافضة لفكرة "الجيش الأسود" أيضاً ، وتقول إنه ليس من حق أي أحد أن يتحكم في مصير غيره ، لكنها لم تكن قادرة على الاستيعاب ، مما كان يؤدي إلى حصول مشاكل كثيرة بيننا بسبب هذا الموضوع ، لكنها كانت مضطرة لتقبله ، لإنها كانت تحبني، كان من حسن حظي أو من سوءه إن مكان خدمتي قريب من منزلها ، كانت تقف على نافذة الغرفة ونتكلم عن طريق اللاسلكي الذي أعطيتها إياه بالساعات، ساعات وساعات إلى اللحظة التي .....
- عامر.
- مريم !! ما بك؟!
- والدتي ياعامر، والدتي.. ماتت.
- حسناً.. حسناً أهدي، أهدي أنا سأتي إليك فوراً عند انتهاء الخدمة .
- لا....لا ....لا تأتي، أنا... أنا لم أعد أطيق الحياة أبداً ، أنا تعبت.
- مريم!!
لا، لا... أكيد .. الذي أراه الآن .. غير حقيقي ، لا بد أنه وهم ... مريم خرجت، مريم خرجت من المنزل وهي تمشي في الطريق نحوي .
- الجندي رقم ٩٩.
هذا كان صوت القائد على الجهاز اللاسلكي، أجبت :
- نعم سيدي .
-أنا أرى مضيف في منطقتك، ما الذي تنتظره ؟!
- حسناً يا سيدي .
يجب أن أنفذ الأمر ، هذا واجبي ، أمسكت البندقية، كانت مريم تصرخ بصوت عالي !!
شعرت بألم شديد في صدري، لكن. يجب أن أفعلها ، وهي تمشي نحوي مثل طفل صغير تائه ، لا يعرف أي اتجاه يكون طريق منزله ..
نظرت إليها .. لا .. لا أستطيع فعل ذلك ، وضعت السلاح على صدري وركضت نحوها .
- الجندي رقم ٩٩، ما الذي تفعله ؟! إلى أين أنت ذاهب ؟!
ركضت بأقصى سرعة عندي، إلى أن وقفت مقابلها بالضبط ، لمحت الجندي رقم ٩٨ بطرف عيني قبل أن اقفز ناحية مريم كي أقع أنا وهي على الأرض قبل أن تأخذ الطلقة مسارها بعيد عنها.
- اتركني يا عامر.
- لبت الكلام ينفع الآن.
- أنا مضيفة الآن وأريد أن أموت .. اتركني .
- هسسسس، لن يحصل ما تقولينه .
بدأت اركض أنا وهي بسرعة ، يجب أن نبعد عن المنطقة قدر المستطاع إلى أن نجد حل ونستطيع الهروب من هنا .
فجأة ظهر واحد أمامنا رافعاً السلاح في وجهي ، شعرت أنني لا أستطيع الحراك لا يميناً ولا شمالاً ، هذا ... هذا مراد ....
- مراد !! مراد ما الذي تفعله ؟!
- ابتعد عنها يا عامر.
- لكن هذه.. هذه مريم!
- لكنها مضيفة الآن ، ابتعد حالاً .
في تلك اللحظة وقفت أمامها ، ورفعت يداي الاثنين وأنا أحاول حمايتها .
- هيا .. إذاً اقتلني أنا أولاً .
سمعت مريم وهي تهمس " عامر " .
قبل أن اسمع صوت شد أجزاء من السلاح، استدرت خلفي ، لكن.. لكن قد سمعت صوت الطلقة، خرج منها دم غرق به لباسي الأسود، هذه...هذه مريم!!
- لاااااا.
غطى اللون الأحمر كل مكان في تلك اللحظة ، لم أشعر بنفسي إلا وأنا ممسكاً بسلاحي ، لا أعلم ما الذي علي فعله ، فقدت صوابي وبدأت أضرب في كل مكان حولي ، كنت أضرب كالمجنون ...
بسبب ... بسبب ..... أنهض لأرى نفسي غارق في بركة من الدم ! .. عم هدوء تام ، نظرت إلى مراد .. كان غارق في الدم أيضاً !! ، ركضت إليه مسرعاً ، وقلبي يرتجف من الخوف عليه ، " أنا أسف ... أنا لم ... " ، لكنه كان قد فارق الحياة ، صرخت بأعلى صوت ... ثم أغمضت عينيه والدموع تملأ عيني ، واقتربت من مريم قبل أن أضع سلاحي على الأرض ..
مريم في أخر أنفاسها ..
- أخبرتك أن تتر ... تتركني ، أنا في كلتا الحالتين كنت..
- هسسس، لن تموتي .. سأتبعك ، وكل شيء سيعود كالسابق .. ، مريم !! ردي علي ، مريم أرجوك .. لم يبقى لي أحد سواك ، مر .. مريم ، لا تتركني وحدي .
لم أعلم كم مضي من الوقت وأنا بجانبها ، وأبكي وأصرخ .. أنا أسف .. أنا أسف ، لم أستطع كتم دموعي أكثر ، في تلك اللحظة فقط شعرت بأني كنت مخطئاً ، ليس من حق أي إنسان أن يحدد مصير غيره ، طبعاً ... لا بد من وجود حل آخر ، حملت مريم، ومشيت بها .
بقت كل العيون متسلطة علي ، كل الناس اجتمعوا على نوافذ المنزل ينظرون إلي ، وجنود الجيش الأسود ينظرون أيضاً ، لحظة ... أين ذهب الجنود ؟؟ ، وقفت لحظة كي أنظر حولي ، كان هناك جنود بالفعل ولكن !! جميعهم ميتين ، لم يعد جسدي يحملني .. هناك أناس كثر ، الكثير من الناس ظهروا أمامي ، وهم رافعين أسلحتهم في وجهي ، دول " الناجيين " ، انقبض قلبي عندما رأيته خارج من بينهم ، حسناً ... هذا " كارم " !
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهي بشكل لا إرادي ، قد فقدت كل شيء فعلاً .
- قم بها يا " كارم" أرجوك .
شد كارم أجزاء السلاح ، تهيأ إلي أنه سيفعلها فعلاً،
أتمنى أن يصل شريط التسجيل هذا إلى القلة الذين تبقوا من البشرية ، كي يعلموا أن المشكلة ليست من الفايروس الموجود حالياً أو من أي فايروس آخر ، المشكلة في البني آدم، في صراعاتهم، اختلافهم، عدم اتحادهم، المشكلة في الإنسان نفسه...
- نعم... لم أكن متوقعاً أن العيار الناري مؤلم للدرجة هذه .
# النهاية
تعليقات
إرسال تعليق